حصول مطلق الانتفاع للموتى بما يعمله الآخرون وأدلته
إذا علم ذلك فإنا نقول: وردت نصوص شرعية تدل على أن الإنسان قد ينتفع بعمل غيره، وهي -كما سبق- على نوعين: نصوص تدل على الانتفاع بأثر العمل ونصوص تدل على الانتفاع بنفس عمل الآخرين، وهي في الانتفاع على نوعين: الانتفاع المطلق والانتفاع الخاص بإسقاط الحقوق.أما الانتفاع المطلق فأدلته كثيرة ويمكن أن نستخرج قاعدة على ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلامه لـسعد بن عبادة بشأن أمه، وللمرأة الجهنية بشأن أبيها.أما حديث سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه ففيه أنه: ( توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله! إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها )، فانظر إلى الصحابة كيف كان يهمهم بر الوالدين إلى هذا الحد؟!فهذا دليل على عموم حصول الانتفاع، وهذا حقيقته أن الميت ينزل منزلة الحي، كما لو أن أم سعد رضي الله تعالى عنه وعنها كانت على قيد الحياة وتصدقت أو أنفقت ما في هذا البستان.إن النفع في العمل في حالة الدعاء يكون الداعي غير الميت، لكن في حالة الصدقة ينتفع الإنسان بعمل غيره بأن يقوم مقامه، فيصبح الميت كأنه هو الذي حج، وكأنه هو الذي اعتمر، وكأنه هو الذي تصدق؛ لأن نفس العمل انتقل إلى الميت، فلو أن رجلاً اعتمر -مثلاً- عن أحد والديه فإن هذه العمرة تأتي يوم القيامة في ميزان المهدى إليه، أما الدعاء فالذي يصل إلى الميت منه هو أثره وشفاعته وثوابه، ولا يتعارض هذا مع ما قد تقدم.